الجمعة، 3 مايو 2013

إفتتاحية المدونة

" إن دراسة التاريخ و قراءته , تجعل القارئ أكثر عقلا "                                                                             
                                                        عبد الرحمن الجبرتي

من الحسرة أن تفاخر أمة كأمريكا - التي لم تظهر في التاريخ حتى نصف قرن مضى من عمر الإنسانية - بتاريخها القصير , و الذي تدفع فيه أتفه الحوادث دفعا ليتم تصويرها على أنها محطات تاريخية مجيدة شكلت التاريخ و الوجدان الأمريكي , بينما نرى أمة كالأمة المصرية التي بزغ من خلالها التاريخ و الحضارة الإنسانية كما نعرفها , يكاد أبناؤها لا يعون شيئا عن تاريخ أجدادهم و تاريخ هذه البلاد العظيمة التي عرف الإنسان على أرضها الحضارة بكل ما تحمله الكلمة من معان .
إن تاريخ الأمة هو ما يصنع شخصيتها القومية , و تزرع المعرفة به بذور الإنتماء و الوطنية و المواطنة بداخل أبنائها لتثمر و تتحول إلى ما يعرف بالحس الوطني أو المسئولية الوطنية .
إن شعبا لا يعرف تاريخه بالتأكيد لا يشعر بقيمة حاضره سلبا أو إيجابا و لا يقدر على إستقراء مستقبله .

و قد كان المجتمع المصري عارفا بقيمة تاريخه الحديث منه و القديم و على قدر كبير من الفخر به , و يدل على هذا وجود المؤرخين المعروفين و كثرة دارسي التاريخ و المهتمين به و الوجود الكثيف لكتب و مراجع التاريخ نفسها , منذ منتصف القرن التاسع عشر و حتى انقلاب يوليو العسكري 1952 , الذي وضع نهاية للدولة المدنية و لم يكتف بعسكرة الدولة و أجهزتها , و إنما إنجر هذا إلى عسكرة شاملة للمجتمع بأكمله , فقل الفكر و التفكير و القراءة و البحث و التأمل , و زاد الجهل و عدم الوعي و الثقافة السمعية و الإنكفاء على لقمة العيش و مستقبل الأبناء الإقتصادي , بغض النظر عن مستقبل الوطن الذي سيعيش فيه أولئك الأبناء , و هذا أحد أوجه قصر النظر الذي أصاب الشخصية المصرية بسبب إبتعادها عن الحس القومي و القراءة و الثقافة العامة و أوجه المجتمع المدني بصفة عامة , و إستسلامها للعسكرة و الإستبداد و البيروقراطية و الجهل .

إن تاريخ الإنسانية بأكملها يكاد يكون عبارة عن حلقات مفرغة تدور بها الأمم على مختلف العصور , كل أمة تدور في الدائرة التي تفرضها عليها مراحل تطورها و تطور مجتمعها و مدى تعلمها من أخطاء الماضي و إستعدادها لتلافيها في المستقبل , و على حسب قدرة كل أمة على التعاطي مع العوامل السابق ذكرها , تكون الدائرة التي تدور فيها أو عليها , فيرتفع شأن أمم تتعلم من ماضيها , و تخسف الأرض بأمم لا تنظر إلا تحت أقدامها و لا تعي ما جرها إلى مصائبها و كبواتها و لا تمل من تكرار أخطائها المجتمعية و القومية .

هذه المدونة , ما هي إلا محاولة لإيجاد مصدر مستقل مجاني على الإنترنت لما تيسر للمدون من إيجازه و تسليط الضوء عليه من محطات تاريخنا القومي المجيد , راجين من الله أن يجعلها مصدر فائدة و لو بسيطة للمدون و القراء , و نقطة ضوء في ظلام ثقافتنا التاريخية التي أظلمناها على أنفسنا كمجتمع بإهمال هذا المكون الرئيس في شخصيتنا القومية ... التاريخ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق